الأساس العلمي والشرعي لعدّ الكلمات القرآنية
سوف نعتبر واو العطف كلمة مستقلة عما قبلها وما بعدها ، والسبب في ذلك هو أن النظام الرقمي الذي سنراه ونلمسه والقائم على الرقم 7 لا ينضبط إلا على هذا الأساس .
إن اعتبار واو العطف كلمة مستقلة له أساس شرعي ، وهو أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ، عندما كُتب القرآن بين يديه ، كانت واو العطف تُكتب منفصلة ومستقلة عن الكلمة التي قبلها والكلمة التي بعدها .
وهذا مانراه يقيناً في المخطوطات التي تعود لزمن سيدنا عثمان رضي الله تعالى عنه . والصورة التالية توضح نموذجاً للمصاحف التي كُتبت في ذلك الزمن ، و تُظهر عدم وجود ارتباط بين واو العطف والكلمة التي بعدها .
أما الدليل العلمي فنجده في القرآن نفسه ، وتحديداً في قصة أصحاب الكهف . فجميعنا يعلم بأن أصحاب الكهف قد لبثوا في كهفهم 309 سنوات . وهذا بنص القرآن الكريم, يقول تعالى : ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾ [الكهف : 18/25] .
فالقصة تبدأ بقوله تعالى : ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً ...﴾ [الكهف : 18/9-13] .
وتنتهي عند قوله تعالى : ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾ [الكهف : 18/25-26] .
والسؤال : هل هنالك علاقة بين عدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف وبين عدد كلمات النص القرآني ؟ وبما أننا نستدلّ على الزمن بالكلمة فلابدَّ أن نبدأ وننتهي بكلمة تدلّ على زمن . وبما أننا نريد أن نعرف مدة ما ﴿لبثوا﴾ إذن فالسرّ يكمن في هذه الكلمة .
فلو تأملنا النص القرآني الكريم منذ بداية القصة وحتى نهايتها ، فإننا نجد أن الإشارة القرآنية الزمنية تبدأ بكلمة ﴿لبثوا﴾ وتنتهي بالكلمة ذاتها ، أي كلمة ﴿لبثوا﴾ .
والعجيب جداً أننا إذا قمنا بعدّ الكلمات مع عد واو العطف كلمة مستقلة وذلك بدءاً من كلمة ﴿لبثوا﴾ الأولى وحتى كلمة ﴿لبثوا﴾ الأخيرة ، فسوف نجد بالتمام والكمال 309 كلمات بعدد السنوات التي لبثها أصحاب الكهف !!!!!
تطابق مذهل ! !
وهذا هو النص القرآني لمن أحب التأكد من صدق هذه الحقيقة ، ولاحظ عزيزي القارئ كيف بدأنا العدّ من كلمة ﴿لبثوا﴾ الأولى ، وتوقفنا عند كلمة ﴿لبثوا﴾ الأخيرة وعدد الكلمات بينهما يتطابق مع مدلول هذه الكلمة الزمني :
﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا
لَبِثُوا*أَمَداً*نَحْنُ*نَقُصُّ*عَلَيْكَ*نَبَأَهُم*بِالْحَقِّ*إِنَّهُمْ*فِتْيَةٌ*آمَنُوا*10
بِرَبِّهِمْ*وَ*زِدْنَاهُمْ*هُدًى*و*رَبَطْنَا*عَلَى*قُلُوبِهِمْ*إِذْ*قَامُوا*20
فَقَالُوا*رَبُّنَا*رَبُّ*السَّمَاوَاتِ*وَ*الْأَرْضِ*لَن*نَّدْعُوَ*مِن*دُونِهِ*30
إِلَهاً*لَقَدْ*قُلْنَا*إِذاً*شَطَطاً*هَؤُلَاء*قَوْمُنَا*اتَّخَذُوا*مِن*دُونِهِ*40
آلِهَةً*لَّوْلَا*يَأْتُونَ*عَلَيْهِم*بِسُلْطَانٍ*بَيِّنٍ*فَمَنْ*أَظْلَمُ*مِمَّنِ*افْتَرَى*50
عَلَى*اللَّهِ*كَذِباً*وَ*إِذِ*اعْتَزَلْتُمُوهُمْ*وَ*مَا*يَعْبُدُونَ*إِلَّا*60
اللَّهَ*فَأْوُوا*إِلَى*الْكَهْفِ*يَنشُرْ*لَكُمْ*رَبُّكُم*مِّن*رَّحمته*و*70
يُهَيِّئْ*لَكُم*مِّنْ*أَمْرِكُم*مِّرْفَقاً*وَ*تَرَى*الشَّمْسَ*إِذَا*طَلَعَت*80
تَّزَاوَرُ*عَن*كَهْفِهِمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*إِذَا*غَرَبَت*تَّقْرِضُهُمْ*ذَاتَ*90
الشِّمَالِ*وَ*هُمْ*فِي*فَجْوَةٍ*مِّنْهُ*ذَلِكَ*مِنْ*آيَاتِ*اللَّهِ*100
مَن*يَهْدِ*اللَّهُ*فَهُوَ*الْمُهْتَدِ*وَ*مَن*يُضْلِلْ*فَلَن*تَجِدَ*110
لَهُ*وَلِيّاً*مُّرْشِداً*وَ*تَحْسَبُهُمْ*أَيْقَاظاً*وَ*هُمْ*رُقُودٌ*وَ*120
نُقَلِّبُهُمْ*ذَاتَ*الْيَمِينِ*وَ*ذَاتَ*الشِّمَالِ*وَ*كَلْبُهُم*بَاسِطٌ*ذِرَاعَيْهِ*130
بِالْوَصِيدِ*لَوِ*اطَّلَعْتَ*عَلَيْهِمْ*لَوَلَّيْتَ*مِنْهُمْ*فِرَاراً*وَ*لَمُلِئْتَ*مِنْهُمْ*140
رُعْباً*وَ*كَذَلِكَ*بَعَثْنَاهُمْ*لِيَتَسَاءلُوا*بَيْنَهُمْ*قَالَ*قَائِلٌ*مِّنْهُمْ*كَمْ*150
لَبِثْتُمْ*قَالُوا*لَبِثْنَا*يَوْماً*أَوْ*بَعْضَ*يَوْمٍ*قَالُوا*رَبُّكُمْ*أَعْلَمُ*160
بِمَا*لَبِثْتُمْ*فَابْعَثُوا*أَحَدَكُم*بِوَرِقِكُمْ*هَذِهِ*إِلَى*الْمَدِينَةِ*فَلْيَنظُرْ*أَيُّهَا*170
أَزْكَى*طَعَاماً*فَلْيَأْتِكُم*بِرِزْقٍ*مِّنْهُ*وَ*لْيَتَلَطَّفْ*وَ*لا*يُشْعِرَنَّ*180
بِكُمْ*أَحَداً*إِنَّهُمْ*إِن*يَظْهَرُوا*عَلَيْكُمْ*يَرْجُمُوكُمْ*أَوْ*يُعِيدُوكُمْ*فِي*190
مِلَّتِهِمْ*وَ*لَن*تُفْلِحُوا*إِذاً*أَبَداً*وَ*كَذَلِكَ*أَعْثَرْنَا*عَلَيْهِمْ*200
لِيَعْلَمُوا*أَنَّ*وَعْدَ*اللَّهِ*حَقٌّ*وَ*أَنَّ*السَّاعَةَ*لَا*رَيْبَ*210
فِيهَا*إِذْ*يَتَنَازَعُونَ*بَيْنَهُمْ*أَمْرَهُمْ*فَقَالُوا*ابْنُوا*عَلَيْهِم*بُنْيَاناً*رَّبُّهُمْ*220
أَعْلَمُ*بِهِمْ*قَالَ*الَّذِينَ*غَلَبُوا*عَلَى*أَمْرِهِمْ*لَنَتَّخِذَنَّ*عَلَيْهِم*مَّسْجِداً*230
سَيَقُولُونَ*ثَلاثَةٌ*رَّابِعُهُمْ*كَلْبُهُمْ*وَ*يَقُولُونَ*خَمْسَةٌ*سَادِسُهُمْ*كَلْبُهُمْ*رَجْماً*240
بِالْغَيْبِ*وَ*يَقُولُونَ*سَبْعَةٌ*وَ*ثَامِنُهُمْ*كَلْبُهُمْ*قُل*رَّبِّي*أَعْلَمُ*250
بِعِدَّتِهِم*مَّا*يَعْلَمُهُمْ*إِلَّا*قَلِيلٌ*فَلَا*تُمَارِ*فِيهِمْ*إِلَّا*مِرَاء*260
ظَاهِراً*وَ*لَا*تَسْتَفْتِ*فِيهِم*مِّنْهُمْ*أَحَداً*وَ*لَا*تَقُولَنَّ*270
لِشَيْءٍ*إِنِّي*فَاعِلٌ*ذَلِكَ*غَداً*إِلَّا*أَن*يَشَاءَ*اللَّهُ*وَ*280
اذْكُر*رَّبَّكَ*إِذَا*نَسِيتَ*وَ*قُلْ*عَسَى*أَن*يَهْدِيَنِ*رَبِّي*290
لِأَقْرَبَ*مِنْ*هَذَا*رَشَداً*وَ*لَبِثُوا*فِي*كَهْفِهِمْ*ثَلاثَ*مِئَةٍ*300
سِنِينَ*وَ*ازْدَادُوا*تِسْعاً*قُلِ*اللَّهُ*أَعْلَمُ*بِمَا*لَبِثُوا*309
إذن البعد الزمني للكلمات القرآنية بدأ بكلمة ﴿لبثوا﴾ وانتهى بكلمة ﴿لبثوا﴾ ، وجاء عدد الكلمات من الكلمة الأولى وحتى الأخيرة مساوياً ومطابقاً للزمن الذي تعبِّر عنه هذه الكلمة أي الزمن الذي لبثه أصحاب الكهف والذي حدده البيان الإلهي بالرقم 309 . أليست هذه معجزة قرآنية ينبغي على كل محبٍّ للقرآن أن يتدبَّرها ؟
والعجيب أيضاً أن عبارة ﴿ثلاث مئة﴾ في هذه القصة جاء رقمها 300 ، وهذا يدلّ على التوافق والتطابق بين المعنى اللغوي للكلمة وبين الأرقام التي تعبر عن هذه الكلمة .
ويجب أن نؤكد بأن علماء اللغة لا يعدون واو العطف كلمة مستقلة ، بل يتبعونها ويُلحقونها بالكلمة التي بعدها ، وقد بيَّنت البحوث التي نراها في الإعجاز العددي من قبل الكثير من الباحثين أن هذا الأساس في عدم عدّ واو العطف كلمة ، هو صحيح ويعطي نتائج إعجازية . وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على وجود أكثر من طريقة لعدّ الكلمات في القرآن . ولكننا في هذه الموسوعة نفضّل الالتزام بمنهج ثابت ولا نخالفه أبداً.
إن وجود أكثر من طريقة للعد والإحصاء في القرآن يزيد في حجم المعجزة القرآنية وتعقيدها ، وأنها صادرة من الله العزيز العليم . فهل يوجد كتاب واحد في العالم تبقى حروفه وكلماته منضبطة كيفما عددنا الكلمات ومهما اتبعنا من طرق للعدّ والإحصاء ؟